فصل: النحو إلى أصول النحو

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النحو إلى أصول النحو **


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه‏.‏

أما بعد‏:‏

‏(‏فإن النحو علم يُعرف به حقائق المعاني، ويوقف به على معرفة الأصول والمباني، ويحتاج إليه في معرفة الأحكام، ويستدل به على الفرق بين الحلال والحرام، ويُتوصل بمعرفته إلى معاني الكتاب، وما فيه من الحكمة وفصل الخطاب‏)‏‏.‏

و لابد له مع ذلك من أصول تُحكمه، وضوابط تضبطه حتى يكون الاستدلال، والاحتجاج على أصول وقواعد محكمة‏.‏

و قد كتب في ذلك الجلال السيوطي ‏(‏الاقتراح في أصول النحو وجدله‏)‏ فنثر فيه دررًا، وغررًا، وفوائد بديعة، وشوارد رفيعة‏.‏

و مما زاده جمالًا على جماله شرح ابن الطيب الفاسي ‏(‏فيض نشر الانشراح من روض طي الاقتراح‏)‏ عليه، فجلى فيه غوامضه، وأبان مشكلاته‏.‏

و قد اعتراهما حشوٌ يُورث الملل والسآمة على المشتغل بالقراءة فيهما‏.‏

و قد صحَّ العزم باختصار وتهذيب لكتاب السيوطي مقتصرًا فيه على المهم من تلك الأصول، وزائدًا عليه المهم _ من غيـره _، مجانبًا للحشو فيه‏.‏

و سميته بـ ‏(‏النحو إلى أصول النحو‏)‏‏.‏

و مرادي بـ ‏(‏النحو‏)‏ الأولى القصد إذ هو من معانيه ، وبالثانية العلم _ أي علم النحو _‏.‏

و الله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله‏.‏

مقدمات

أصول النحو‏:‏ علم يُبحث فيه عن أدلة النحو الإجمالية من حيث هي أدلته، وكيفية الاستدلال بها، وحال المستدل بها‏.‏

حد النحو‏:‏ علم بأصولٍ يُعرف بها أحوال أواخر الكلم العربية إعرابًا وبناءً‏.‏

و قيل‏:‏ انتحاء سمْتِ كلام العرب ليلحق مَنْ ليس مِنْ أهل العربية بأهلها في الفصاحة‏.‏

حد اللغات‏:‏ اللغة أصوات يُعَبِّر بها كل قوم عن أغراضهم‏.‏

فصل‏:‏ في مبدأ اللغة

اختلف أهل العربية في ذلك على أقوال ثلاثة‏:‏

الأول‏:‏ أنها من وضع الله تعالى‏.‏ وهو الأرجح‏.‏

الثاني‏:‏ أنها اصطلاحية‏.‏

الثالث‏:‏ التوقف‏.‏

فصل‏:‏ في المناسبة بين الألفاظ والمعاني

أطبق أهل اللغة على التناسب بين الألفاظ والمعاني، بل الألفاظ قوالب للمعاني‏.‏

و هي شرط في الألفاظ لأنها إن كانت من وضع الله تعالى فهي لازمة لحكمته، أو كانت من وضع البشر فهي ظاهرة لمرادهم لمعناها‏.‏

و دلالة الألفاظ على المعاني إما‏:‏

‏(‏1‏)‏ بذواتها‏.‏

‏(‏2‏)‏ أو بوضع الله تعالى‏.‏

‏(‏3‏)‏ أو بوضع الناس‏.‏

‏(‏4‏)‏ أو بكون البعض بوضع الله، والبعض بوضع الناس‏.‏

فصل‏:‏ في الدلالات النحوية

الدلالة هي ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه‏.‏

و هي ثلاث دلالات‏:‏

الأولى‏:‏ دلالة لفظية‏:‏ وهو ما يعود إلى القول والكلام‏.‏

الثانية‏:‏ دلالة صناعية‏:‏ وهي ما يعرف بالمصطلح‏.‏

الثالثة‏:‏ دلالة معنوية‏:‏ وهو ما يفهم من الملابسات المحيطة بالمتكلم من غير استعانة بكلام كـقولك للمسافر‏:‏ سفرا سعيدا أي تسافر سفرا سعيدا‏.‏

فصل‏:‏ في الحكم النحوي

الحكم النحوي ستة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ الواجب ؛ كـ ‏(‏رفع الفاعل‏)‏ وتأخره عن الفعل‏.‏

الثاني‏:‏ الممنوع ؛ كعكس ما سبق‏.‏

الثالث‏:‏ الحسن ؛كرفع المضارع الواقع جزاءً بعد شرط ماضٍ‏.‏

الرابع‏:‏ القبيح ؛ كرفع المضارع بعد شرط مضارع‏.‏ وهو ضعيف أو ضرورة‏.‏

الخامس‏:‏ خلاف الأوْلى ؛كتقديم الفاعل على المفعول نحو ‏(‏ضرب غلامُهُ زيدًا‏)‏ بدلًا من ‏(‏ضرب زيدًا غلامه‏)‏‏.‏

السادس‏:‏ جائز على السواء ؛ كحذف المبتدأ أو الخبر أو إثباته حيث لا مانع من الحذف ولا مقتضى له‏.‏

و منه رخصة‏:‏ وهو ما جاز استعماله لضرورة الشعر‏.‏

فصل‏:‏ في طرق معرفة العجمة

الكلام العجمي هو كلُّ ما ليس بعربي، ولو نقل إلى العربية‏.‏

و لمعرفة العجمة في الاسم طرائق سبعة‏:‏

الأولى‏:‏ أن يُعرف بالنقل عن إمام من أئمة العربية‏.‏

الثانية‏:‏ أن يكون خارجًا عن أوزان الأسماء العربية‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يكون أوله نون ثم راء كـ ‏(‏نرجس‏)‏، فإنه لا يعرف في العربية اسم هذه حاله‏.‏

الرابعة‏:‏ أن يكون آخره دالٌ بعدها زاي كـ ‏(‏مهندز‏)‏، أو دالٌ بعدها ذال كـ ‏(‏بغداذ‏)‏‏.‏

الخامسة‏:‏ أن يجتمع فيه‏:‏

‏(‏1‏)‏ الجيم والصاد كـ ‏(‏الصولجان‏)‏‏.‏

‏(‏2‏)‏ الجيم والقاف كـ ‏(‏المنجنيق‏)‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ الجيم والكاف كـ ‏(‏جنكيز‏)‏‏.‏

‏(‏4‏)‏ الجيم والطاء كـ ‏(‏الطاجن‏)‏‏.‏

‏(‏5‏)‏ السين والذال كـ ‏(‏السذَّاب‏)‏‏.‏

‏(‏6‏)‏ الصاد والطاء كـ ‏(‏صراط‏)‏ ‏.‏

‏(‏7‏)‏ الطاء والتاء كـ ‏(‏طست‏)‏‏.‏

السادسة‏:‏ أن يكون خماسيًا أو رباعيًا عاريًا من الحروف الذلاقية _ وهي‏:‏ الباء، والراء، والفاء، واللام، والميم، والنون _‏.‏

فإذا كان الاسم كذلك _ أي رباعي أو خماسي وهو خالٍ من تلك الحروف _ فهو أعجمي‏.‏

السابعة‏:‏ أن يأتي الاسم وفيه لام بعدها شين، فإن الشينات في العربية كلها قبل اللام‏.‏

الأدلة

تثبت النحويات بأمور هي‏:‏

الأول‏:‏ السماع‏:‏ والمحتج به منه‏:‏

القرآن‏:‏ فكلُّ ما ورد أنه قريء جاز الاحتجاج به في العربية سواءً كان‏:‏

‏(‏1‏)‏ متواترًا وهو ما قرأ به السبعة‏.‏

‏(‏2‏)‏ آحادًا وهو ما روي عن بعضهم ولم يتواتر‏.‏

‏(‏3‏)‏ شاذًا‏:‏ وهو ما كان عن غير السبعة‏.‏

و الإجماع على الاحتجاج بالقراءات الشاذة‏.‏

و ليس فيه لغة ضعيفة ولا شاذة وفيه لغات قليلة‏.‏

و ليس فيه ما ليس من لغة العرب، وإنما يتوافق اللفظُ اللفظَ ويقاربه ومعناهما واحد‏.‏ وأحدهما بالعربية والآخر بغيرها‏.‏ وكل ما فيه فهو أفصح مما في غيره إجماعًا‏.‏

الحديث‏:‏ الصحيح الاحتجاج به، وهو أولى من غيره عدا القرآن‏.‏

و يستدل منه بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نقله على اللفظ المروي به، وسواء فيه‏:‏

‏(‏1‏)‏ المتواتر‏.‏

‏(‏2‏)‏ الآحاد‏.‏

كلام العرب‏:‏ ويحتج منه بما ثبت عن الفصحاء الموثوق بعربيتهم، حتى ولو كانوا كفارًا‏.‏

و يحتج بكلام قبائل قلب الجزيرة‏:‏ قريش، قيس، تميم، أسد، ثم هذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين‏.‏

و لا يؤخذ عمن جاور غير العرب لفساد ألسنتهم‏.‏

و لا يحتج بكلام المولّدين والمُحدَثِيْن‏.‏

و فرقٌ بين المولَّد والمصنوع، فإن المصنوع يورده صاحبه على أنه عربي فصيح، والمولَّد بخلافه‏.‏

فصل‏:‏ في أقسام المسموع

ينقسم المسموع عن العرب إلى قسمين‏:‏

‏(‏1‏)‏ مُطّرِد‏:‏ وهو الكلام المنقول عن العرب، مستفيضًا، بحيث يُطْمَأَن إلى أنه كثير كي يقاس عليه‏.‏

‏(‏2‏)‏ شاذ‏:‏ وهو كلُّ كلام عربي أصيل، لم تذكر له قاعدة كلية، ولم يحظَ بالشيوع والكثرة، ولا يقاس عليه‏.‏

و هما على أربعة أضرب‏:‏

الأول‏:‏ مطرد في القياس والاستعمال معًا وهذا هو المطلوب والغاية‏:‏ وهو الكلام‏:‏

‏(‏1‏)‏ الذي لا يخرج عن القواعد العامة المبنية على الأعم والأشمل‏.‏

‏(‏2‏)‏ و الذي كثر استعماله في العربية‏.‏

الثاني‏:‏ مطرد في القياس شاذ في الاستعمال‏:‏ وهو الكلام‏:‏

‏(‏1‏)‏ الذي لا يخرج عن القواعد العامة المبنية على الأعم والأشمل‏.‏

‏(‏2‏)‏ و ندر استعماله‏.‏

الثالث‏:‏ مطرد في الاستعمال شاذ في القياس‏:‏ وهو الكلام‏:‏

‏(‏1‏)‏ الذي خرج عن القواعد العامة المبنية على الأعم والأشمل‏.‏

‏(‏2‏)‏ الذي كثر استعماله‏.‏

الرابع‏:‏ شاذ في القياس والاستعمال معًا‏:‏ وهو الكلام‏:‏

‏(‏1‏)‏ الخارج عن القواعد العامة المبنية على الأعم والأشمل‏.‏

‏(‏2‏)‏ و لم تستخدمه العرب‏.‏ وهو مجمع على رفضه‏.‏

فصل‏:‏ في حكم اللغات

جميع لغات العرب حجة على اختلافها، ويقاس عليها‏.‏

و يستعمل الأقوى والشائع منها‏.‏

فائدة‏:‏ اختلاف اللغات من وجوه‏:‏

الأول‏:‏ الاختلاف في الحركات‏.‏

الثاني‏:‏ الاختلاف في الحركة والسكون‏.‏

الثالث‏:‏ الاختلاف في إبدال الحروف‏.‏

الرابع‏:‏ الاختلاف في الهمز والتليين‏.‏

الخامس‏:‏ الاختلاف في التقديم والتأخير‏.‏

السادس‏:‏الاختلاف في الحذف والإثبات‏.‏

السابع‏:‏ الاختلاف في الحرف الصحيح يُبْدَل حرفًا معتلًا‏.‏

الثامن‏:‏ الاختلاف في الإمالة والتفخيم‏.‏

التاسع‏:‏ الاختلاف في الحرف الساكن يستقبله مثله فمنهم من يكسر الأول، ومنهم من يضم‏.‏

العاشر‏:‏ الاختلاف في التذكير والتأنيث‏.‏

الحادي عشر‏:‏ الاختلاف في الإدغام‏.‏

الثاني عشر‏:‏ الاختلاف في الإعراب‏.‏

الثالث عشر‏:‏ الاختلاف في صورة الجمع‏.‏

الرابع عشر‏:‏الاختلاف في التحقيق والاختلاس‏.‏

الخامس عشر‏:‏الاختلاف في الوقف على هاء التأنيث‏.‏

السادس عشر‏:‏الاختلاف في الزيادة، نحو‏:‏ انظر وانظور‏.‏

و من اختلاف اللغات ما هو اختلاف تضادٍّ‏.‏

و قد يكون في الكلمة لغتان، أو ثلاث، أو أربع، أو خمس، أو ست، ولا يكون أكثر من ذلك‏.‏

الثاني‏:‏ الإجماع‏:‏ وهو اتفاق علماء النحو والصرف على مسألة أو حكم‏.‏

و المراد بالعلماء أئمة البلدين _ الكوفة والبصرة _، أو أكثر النحاة، لا كلّ العلماء في العصور‏.‏

و إجماع العرب إن وقف عليه‏.‏

و هو حجة إذا لم يخالف‏:‏

‏(‏1‏)‏ المنصوص‏.‏

‏(‏2‏)‏ المقيس على المنصوص‏.‏

و يعمل بالمجمع عليه عند تعارضه مع المختلف فيه‏.‏

و إحداث قولٍ من تركيب للمذاهب شبيه بتداخل اللغات‏.‏

مسألة‏:‏ هل يعتبر الإجماع السكوتي ‏؟‏

التحقيق على اعتباره‏.‏

الثالث‏:‏ القياس‏:‏ وهو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه‏.‏

وهو معظم أدلة النحو، والتعويل عليه في أغلب المسائل النحوية‏.‏

و لا يتحقق إنكاره لأنه أغلب النحو، وإنكاره إنكار للنحو‏.‏

و ينقسم إلى‏:‏

‏(‏1‏)‏ حمل فرع على أصل‏.‏

‏(‏2‏)‏ حمل أصل على فرع‏.‏

‏(‏3‏)‏ حمل نظير على نظير ‏.‏

‏(‏4‏)‏ حمل ضد على ضد‏.‏

و الأول والثالث هو قياس المساوي‏:‏ وهو أن تكون العلة في الفرع والأصل على سواء‏.‏

و الثاني قياس الأولى‏:‏ وهو أن تكون العلة في الفرع أقوى منها في الأصل‏.‏

و الرابع قياس الأدون‏:‏ وهو أن تكون العلة في الفرع أضعف منها في الأصل‏.‏

وهو ينقسم _ أيضًا _‏:‏

‏(‏1‏)‏ قياس جلي‏:‏ أي واضح ظاهر لوضوح جامعية علته للأصل والفرع‏.‏

‏(‏2‏)‏ قياس خفي‏:‏ وهو ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس، وهو الاستحسان‏.‏

والقياس أنواع ستة‏:‏

الأول‏:‏ القياس الأصلي‏:‏ وهو إلحاق اللفظ بأمثاله في حكم ثبت لها باستقراء كلام العرب، حتى انتظمت منه قاعدة عامة‏.‏

الثاني‏:‏ قياس التمثيل‏:‏ وهو إعطاء الكلم حكم ما ثبت لغيرها من الكلم المخالفة لها في نوعها، ولكن توجد بينهما مشابهة في بعض الوجوه‏.‏

الثالث‏:‏ قياس الشبه‏:‏ وهو حمل العرب لبعض الكلمات على أخرى، وإعطاؤها حكمها لشبه بينهما من جهة المعنى‏.‏

الرابع‏:‏ قياس العلة‏:‏ وهو اشتراك المقيس والمقيس عليه في العلة التي يقوم الحكم عليها‏.‏ ويأتي الكلام على العلة إن شاء الله تعالى‏.‏

الخامس‏:‏ قياس الطرد‏:‏ وهو الذي يوجد معه الحكم للاطراد‏.‏

السادس‏:‏ إلغاء الفارق‏:‏ وهو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر، فيلزم اشتراكهما‏.‏

و شروطه‏:‏

الأول‏:‏ أن لا يكون المقيس عليه شاذًا‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون المقيس قد قيس على كلام العرب‏.‏

الثالث‏:‏ أن يكون الحكم قد ثبت استعماله عن العرب‏.‏

و أركانه أربعة‏:‏

الأول‏:‏ الأصل‏:‏ وهو المقيس عليه‏.‏

ومن شرطه‏:‏ أن لا يكون شاذًا خارجًا عن سَنَنِ القياس‏.‏

و ليس من شرطه الكثرة ؛ إذ قد يقاس على القليل لموافقته للقياس، ولا يقاس على الكثير لمخالفته إياه‏.‏

و يجوز تعدد الأصول المقيس عليها‏.‏

الثاني‏:‏ فرع‏:‏ وهو المقيس‏.‏

و هو من كلام العرب إذ القياس على كلامهم‏.‏

الثالث‏:‏ الحكم‏:‏ وهو ما يكتسبه الفرع من الأصل‏.‏

و يقاس على حكم ثبت استعماله عن العرب، وعلى ما ثبت بالقياس والاستنباط‏.‏

و هل يجوز القياس على أصل مختلف في حكمه ‏؟‏

يجوز عند إقامة الدليل، ويمنع عند عدمه‏.‏

الرابع‏:‏ العلة الجامعة بين الأصل والفرع‏.‏

اعتلالات النحويين صنفان‏:‏

الأول‏:‏ علة تطرد على كلام العرب وتنساق إلى قانون لغتهم، وهي الأكثر استعمالًا، وأشد تداولًا‏.‏

الثاني‏:‏ علة تُظهر حكمة العرب، وتكشف عن صحة أغراضهم ومقاصدهم في موضوعاتهم‏.‏

و العلة قد تكون‏:‏

‏(‏1‏)‏ بسيطة‏:‏ وهي التي يقع التعليل بها من وجه واحد‏.‏

‏(‏2‏)‏ مركبة‏:‏ وهي التي يقع التعليل بها من عدة أوجه‏.‏

و أكثر العلل على الإيجاب‏.‏

و ثبوت الحكم في محل النص ثبوت بالعلة لا بالنص‏.‏

من شرط العلة‏:‏ أن تكون هي الموجبة للحكم في المقيس عليه‏.‏

و يجوز‏:‏

‏(‏1‏)‏ التعليل بعلتين‏.‏

‏(‏2‏)‏ تعليل حكمين بعلة واحدة‏.‏

‏(‏3‏)‏ التعليل بالأمور العدمية‏.‏

فصل‏:‏ في مسالك العلة

الأول‏:‏ الإجماع‏:‏ وهو أن يجمع أهل العربية على أن علة هذا الحكم كذا‏.‏

الثاني‏:‏ النص‏:‏ وهو أن ينصَّ العربي على العلة‏.‏

الثالث‏:‏ الإيماء‏:‏ وهو الإشارة إلى العلة بخفاء‏.‏

الرابع‏:‏ السبر والتقسيم‏:‏ وهو ذكر الأقسام المحتملة، ثم يختبر ما يصلح منها وينفي ما عداه بطريقه‏.‏

الخامس‏:‏ المناسبة‏:‏ وهو أن يحمل الفرع على الأصل بالعلة التي علّق عليها الحكم في الأصل‏.‏

و هل يجب لإظهار المناسبة عند المطالبة ‏؟‏

قيل يجب، وقيل لا يجب‏.‏

السادس‏:‏ الشبه‏:‏ وهو أن يحمل الفرع على الأصل بنوع من الشبه غير العلة التي علّق عليها الحكم في الأصل‏.‏

و قياسه قياس صحيح يجوز التمسك به كقياس العلة على الصحيح‏.‏

السابع‏:‏ الطرد‏:‏ وهو الذي يوجد معه الحكم وتفقد المناسبة في العلة‏.‏

الثامن‏:‏ إلغاء الفارق‏:‏ وهو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر فيلزم اشتراكهما‏.‏

فصل‏:‏ في القوادح في العلة

الأول‏:‏ النقض‏:‏و هو أن توجد العلة ولا يوجد الحكم‏.‏

و هذا عند من لا يرى التخصيص ببعض الأفراد لوجود اطّرادها، فإذا وُجدت وجد الحكم فتخلفه عنها مع وجودها نقض لها‏.‏

الثاني‏:‏ تخلف العكس‏:‏ أي كون العلة غير منعكسة‏.‏

و العكس شرط في العلة وهو‏:‏ أنه إذا فقدت العلة فقد الحكم‏.‏

الثالث‏:‏ عدم التأثير‏:‏ وهو أن يكون الوصف لا مناسبة له _ أي لا أثر له في الحكم _‏.‏

و الأوصاف في العلة مفتقرة إلى شيئين‏:‏

أولهما‏:‏ أن يكون لها تأثير‏.‏

ثانيهما‏:‏ أن يكون فيها احتراز‏.‏

الرابع‏:‏ القول بالموجب‏:‏ وهو أن يسلم للمستدل ما اتخذه موجبًا للعلة مع استبقاء الخلاف، ومتى توجه الخلاف كان المستدل منقطعًا، فإن توجه الخلاف في بعض الصور المختلف فيها مع عموم العلة لتلك الصور لم يعد المستدل منقطعًا‏.‏

الخامس‏:‏ فساد الاعتبار‏:‏ وهو أن يستدل بالقياس في مقابلة النص عن العرب‏.‏

السادس‏:‏ فساد الوضع‏:‏ وهو كون الجامع في القياس ثبت اعتباره بنصٍ أو إجماع في نقيض الحكم‏.‏

و هو أيضًا‏:‏ تعليق العلة على ضد المقتضى‏.‏

السابع‏:‏ المنع للعلة‏:‏ أي عدم قبولها _ وقد يكون في الأصل والفرع _‏.‏

و عدم قبول العلة مكابرة، وموجب لقطع المناظرات‏.‏

الثامن‏:‏ المطالبة بتصحيح العلة‏:‏ أي أن يطالب المعترضُ المستدلَّ بثبوت العلة‏.‏

التاسع‏:‏ المعارضة‏:‏ وهو أن يعارَض المستدل بعلة مبتدأة‏.‏

فصل‏:‏ في الأسئلة

السؤال مبناه على أربعة أركان‏:‏

الأول‏:‏ السائل وهو الطالب للجواب‏.‏

و ينبغي له أن يقصد قصد المستفهم، ويسأل عما ثبت فيه الغموض‏.‏

الثاني‏:‏ المسؤول به‏:‏ وهي أدوات الاستفهام المعروفة‏.‏

و يكون السؤال مفهومًا غيرَ مبهمٍ‏.‏

الثالث‏:‏ المسؤول منه‏:‏ وهو المطلوب منه الجواب على السؤال‏.‏

و شرطه أن يكون من أهل الفن المسؤول فيه كالنحوي عن النحو‏.‏

و يستحب له‏:‏ أن يجيب بعد تعيين السؤال، وسكوته بعده قبيح، إلا إذا كان سكوته لما رآه من الحاضرين ما لا يليق بالأدب‏.‏

و قبيحٌ سكوته عن ذكر الدليل بعد الجواب زمنًا طويلًا ؛ إلا إذا كان سكوته بحثًا عن أقرب الطرق إيفاءً بالغرض، وينبغي له أن يتحرى في الفتوى ما لا يتحرى بالمذاكرة‏.‏

و له أن يزيد في الجواب إذا اقتضى ذلك‏.‏

و النقص فيه _ أي الجواب _ عيب لما فيه من الإخلال بالجواب، وعدم استيفائه‏.‏

و إذا كان السؤال عامًا كان الجواب عامًا‏.‏

الرابع‏:‏ المسؤول عنه‏:‏ وهو الأمر المتطلب جوابًا‏.‏

وينبغي أن يكون مما يمكن إدراكه والإحاطة به‏.‏

و الجواب‏:‏ هو المطابق للسؤال‏.‏

فصل‏:‏ في اجتماع الأدلة

قد تجتمع الأدلة السابقة _ السماع والإجماع والقياس _ دليلًا على مسألة‏.‏

فصل‏:‏ في الاستصحاب

وهو استمرار الحكم وبقاء ما كان على ما كان‏.‏

و هو من الأدلة المعتبرة، ومن أضعفها‏.‏

و لا يجوز التمسك به حال وجداننا لدليل‏.‏

و إذا تعارض مع دليلِ سماعٍ أو قياسٍ فلا عبرة به‏.‏

فصل‏:‏ في أدلة متفرقة شتى

اعلم أن أدلة النحو كثيرة جدًا لا تحصر، وما مر ذكره فهو منضبط بضابط، وهناك أدلة لا ضابط خاص لها تندرج تحته، منها‏:‏

الأول‏:‏ الاستدلال بالعكس‏:‏وهو أن يعكس دليل على حكم مّا لإبطال هذا الحكم‏.‏

الثاني‏:‏ الاستدلال ببيان العلة‏:‏ وهو تبيان علة الحكم للاستدلال بوجودها على وجوده، وبعدم وجودها على عدم وجوده‏.‏

وهو نوعان‏:‏

الأول‏:‏ أن يبيِّن علة الحكم ويستدلَّ بوجودها في موضع الخلاف ليوجد بها الحكم‏.‏

الثاني‏:‏ أن يبين العلة ث يستدل بعدمها على عدم ذلك الحكم في موضع الخلاف‏.‏

الثالث‏:‏ الاستدلال بعدم الدليل في شيء على نفيه‏:‏ وهو نفي الدليل لعدم وجوده، لأنه يلزم من فقد العلة فقد المعلول‏.‏

و هذا يكون في أي أمر ثبت فإن دليله يظهر ظهورًا لا خفاء فيه‏.‏

الرابع‏:‏ الاستدلال بالأصول‏:‏ وهو إبطال دليل بالرجوع إلى الأصل‏.‏

الخامس‏:‏ الاستدلال بعدم النظير‏:‏ وهو النفي لعدم وجود دليل على الإثبات‏.‏

فإن وجد الدليل على الإثبات لم يلتفت إليه‏.‏

السادس‏:‏ الاستحسان‏:‏ وهو ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس‏.‏

وهو القياس الخفي‏.‏

و دلالته ضعيفة غير محكمة‏.‏

ومنه‏:‏

‏(‏1‏)‏ ترك الأخف إلى الأثقل من غير ضرورة‏.‏

‏(‏2‏)‏ ما يخرج عن أصل قاعدته كـ ‏(‏استحوذ‏)‏‏.‏

‏(‏3‏)‏ ما يبقى الحكم فيه مع زوال علته‏.‏

‏(‏4‏)‏ إذا اجتمع التعريف العلَمي والتأنيث السماعي أو العجمة في الثلاثي الساكن الوسط، فالقياس منع الصرف، والاستحسان صرفه لخفته‏.‏

مثال المؤنث‏:‏ هند‏.‏ العجمة‏:‏ نوح‏.‏

السابع‏:‏ الاستقراء‏:‏ وهو تعرُّف الشيء الكلي بجميع جزئياته‏.‏

أو إثبات الأمر الكلي بتتبع الجزئيات‏.‏

الثامن‏:‏ الدليل المسمى بـ ‏(‏الباقي‏)‏‏:‏ وهو بقاء الدليل على حكمه الأصلي في جانب معيَّن بعدما خولفت الجوانب الأخرى لعلة اقتضت ذلك‏.‏

بيان ذلك‏:‏

أن الإعراب لا يدخل منه شيء في الفعل، لأن الأصل البناء لعدم وجود علة تقتضي الإعراب‏.‏

و لكن هذا الحكم قد خولف في دخول الرفع والنصب في المضارع‏.‏ لوجود العلة المقتضية للنصب والرفع‏.‏

و هذا الحكم لم يُخالَف في الجر، وهذا هو الدليل الباقي من أن الأصل عدم دخول الإعراب على الفعل‏.‏

التعارض والترجيح

إذا تعارض نقلان أخذ بأرجحهما‏:‏

و الترجيح إما أن يكون في‏:‏

‏(‏1‏)‏ الإسناد‏:‏ وذلك بأن يكون رواة أحد النقلين أكثر من الآخر، أو أعلم وأحفظ‏.‏

‏(‏2‏)‏ المتن‏:‏ وذلك بأن يكون أحد النقلين على وَفْق القياس، والآخر على خلافه‏.‏

إذا تعارض ارتكاب شاذ ولغة ضعيفة فارتكاب اللغة الضعيفة أولى من الشاذ‏.‏

إذا تعارض قياسان أخذ بأرجحهما وهو ما وافق دليلًا آخر من‏:‏ نقلٍ أو قياس‏.‏

و إذا تعارض القياس والسماع نُطِقَ بالمسموع على ما جاء عليه لأنه نص الأصل‏.‏

و إذا كان التعارض في قوة القياس وكثرة الاستعمال قُدِّم ما كثر استعماله‏.‏

و إذا تعارض أصل وغالب فالعمل بالأصل، وقد يعمل بالغالب على قلة‏.‏

و إذا تعارض قبيحان أُخذ بأقربهما، وأقلهما فحشًا‏.‏

و إذا تعارض قولان عن عالم أحدهما مرسل _ أي لم يقيَّد بدليل _، والآخر معلل _ أي مقيَّد بدليل _ أخذ بالثاني لقيام حجته‏.‏

أحوال مستنبط هذا العلم

من شرطه‏:‏

‏(‏1‏)‏ أن يكون عالمًا بلغة العرب‏.‏

‏(‏2‏)‏ أن يكون محيطًا بكلامها‏.‏

‏(‏3‏)‏ أن يكون مطلعًا على نثرها ونظمها‏.‏

‏(‏4‏)‏ أن يكون خبيرًا بصحة نسبة ذلك إليهم‏.‏

‏(‏5‏)‏ أن يكون عالمًا بأحوال الرواية‏.‏

‏(‏6‏)‏ أن يكون عالمًا بإجماع النحاة‏.‏

و إذا أدى المجتهدَ القياسُ إلى شيء ثم سمع العرب نطقت بغيره على قياسٍ غيره فإنه يدع ما كان عليه‏.‏

قال مقيده _ عفا الله عنه _‏:‏ وافق الفراغ من رَقْم هذه الوجيزة الأصولية النحوية مغرب يوم الثلاثاء العشرين من شهر ربيع الأول عام اثنين وعشرين وأربعمائة وألف في رياض نجد‏.‏

و الحمد لله رب العالمين‏.‏